مازالت تتوالى المعلومات حول المشتبه في وقوفه وراء محاولة تفجير سيارة بساحة "تايمز سكوير" في نيويورك، فيصل شاه زاد، وهو مواطن أميركي باكستاني المولد، أمضى عدة أشهر في باكستان، حيث تشير وثائق المحكمة إلى أنه تلقى تدريباً على صنع المتفجرات في وزيرستان، المعروفة بكونها ملاذاً لعدد من التنظيمات المتطرفة. ومعلوم أنه خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، قام الجيش الباكستاني بحملات عسكرية كبيرة في ست من المناطق القبلية السبع التي تحد أفغانستان، لكن المنطقة السابعة، وهي شمال وزيرستان، تُركت جانباً لجملة من الاعتبارات، منها حقيقة أنها تمثل موطناً لشبكات "طالبان" الأفغانية التي يقودها جلال الدين حقاني وغلب الدين حكمتيار، اللذان تربطهما علاقات وثيقة مع الجيش وجهاز الاستخبارات الباكستاني "آي إس آي". كما تُركت جانباً لأسباب تكتيكية وجيهة، ذلك أن الجيش أبرم مع "طالبان" باكستان في شمال وزيرستان اتفاقاً بعدم مهاجمة القوات الباكستانية، وهو اتفاق صمد حتى وقت قريب. بيد أن استراتيجية محاربة الإرهاب الباكستانية، التي كانت محط إشادة وتقدير بعض الجنرالات الأميركيين، بدأت تثبت فشلها وقصورها اليوم، بسبب وزيرستان. فقد أخذ شعور بالعجز واليأس يستولي على الجمهور الباكستاني الذي بات يواجه عدداً أكبر من الهجمات الانتحارية، وباتت مدن كبيرة مثل بيشاور التي قُتل فيها أكثر من 100 شرطي هذا العام، تحت حصار "طالبان" الباكستانية. واليوم، يبدو أن المقاتلين الباكستانيين متورطون في الجهاد العالمي أيضاً. ويمثل شمال وزيرستان مركزاً لكثير من المنظمات الإرهابية، لدرجة أنه لا "سي آي إيه" ولا "آي إس آي"، تمتلك فهماً لما يجري هناك. فقبل نحو عام، حكمت "طالبان" باكستان تحت قيادة بيت الله محسود، المناطق القبلية، وفجرت وقتلت باكستانيين على نحو خبيث وجبان. ثم قُتل محسود العام الماضي في ضربة جوية أميركية، وتلت ذلك فوضى عارمة، حيث باتت المنظمات والمنظمات المنشقة عنها دون سيطرة أو تحكم من أي كان. لكن حكيم الله محسود، وهو زعيم شرس لـ"طالبان باكستان"، كانت السلطات قد أعلنت موته عقب ضربة نفذتها طائرة أميركية من دون طيار في يناير الماضي، ظهر مؤخراً في شريط فيديو، حيث كان يختبئ في وزيرستان. وفي شريط الفيديو، قال محسود متوعداً: "لقد أزف الوقت الذي سيهاجم فيه الفدائيون المدن الأميركية الكبرى". وعلاوة على ذلك، فإن عدداً من المنظمات المتطرفة البنجابية التي كانت قد دُربت على أيدي الجيش الباكستاني ذات يوم لمحاربة القوات الهندية في كشمير، قد انشقت عن منظماتها الأم وباتت تنشط انطلاقاً من شمال وزيرستان بتحالف مع "طالبان" الباكستانية البشتونية وتنظيم "القاعدة". وعلى نحو يصعب فهمه، أقدمت إحدى هذه المنظمات البنجابية الأسبوع الماضي على إعدام خالد خواجة، وهو ضابط سابق في الاستخبارات الباكستانية عُرف بتعاطفه مع "القاعدة" و"طالبان". فمن قتل خواجا؟ ولماذا يشكل ذلك لغزاً كبيراً؟ وهل يتعلق الأمر بمثال على التهام الإرهاب لأهله؟ ومن بين المجموعات المقاتلة الأخرى التي تنشط انطلاقاً من شمال وزيرستان، هناك منظمات مناوئة للشيعة، وعدد من المجموعات الشيشانية، وأخرى من آسيا الوسطى، إضافة إلى "عسكر طيبة"، التي حُملت مسؤولية الهجوم القاتل على مومباي في 2008. ثم إن التدريب في شمال وزيرستان متاح للباكستانيين والأجانب الذين يأتون ويذهبون كما يحلو لهم، باستثناء خمسة شبان أميركيين ربما يخضعون للمحاكمة حالياً في باكستان؛ لأنهم حاولوا الذهاب إلى شمال وزيرستان. وفي هذه الأثناء، يقول الجيش الباكستاني إنه لا يستطيع فتح جبهة أخرى في شمال وزيرستان خشية الإجهاد، وهو يركز اهتمامه حالياً على حملاته في مناطق أخرى من البلاد، والحال أن الجيش قام للتو بمناورات شارك فيها 50 ألف جندي على الحدود الهندية حتى يبعث برسالة إلى المجتمع الدولي مؤداها أنه مازال يعتبر الهند عدوه الرئيس. غير أن الجيش يتعامل في المناطق القبلية أيضاً مع قرابة ربع مليون نازح، حيث يشارك في جهود الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار والحفاظ على خطوط الإمدادات التي تتعرض بشكل منتظم للهجوم من قبل المقاتلين. لكن المأساة هي أن الحكومة المدنية لم تتصد للنهوض بهذه المهام، وهو أمر ينبغي أن تقوم به، كما أن الجيش لا يشجعها على القيام بذلك، والحال أنه لا معنى لأي حديث عن محاربة الإرهاب في غياب عنصر "بسط السيطرة والبناء". وغني عن القول إن لما يحدث في شمال وزيرستان تداعيات عالمية جمة. لذلك، فلا بد من القيام بشيء ما إزاء منطقة تحولت إلى قطب إرهابي أكبر وأعظم مما كانت عليه أفغانستان قبل 2001. كما يتعين على الزعماء الباكستانيين - المدنيين والعسكريين - أن يتولوا الزعامة بهدف إيجاد حلول للمشكلة، بينما يتعين على المجتمع الدولي مساعدة إسلام آباد على تطبيق سياسة تُطهر هذا المركز الإرهابي القاتل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"